[b]مجتهدين أن تحفظوا وحدانية الروح برباط السلام جسد واحد وروح واحد كما دعيتم أيضاً في رجاء دعوتكم الواحد. رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة، إله وأب واحد للكل"
(أفسس3:4-5)
"نؤمن . . . بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسوليه ونعترف بمعمودية واحدة . . ."
(قانون الإيمان)
[size=16]الفصل الأول
الكنيسة الأولى الواحدة
الوعد بتأسيسها: لقد وعد رب المجد يسوع المسيح تلاميذه بتأسيس كنيسته على صخرة الإيمان وكان ذلك أثناء حديثه إلى بطرس الرسول كما جاء في إنجيل معلمنا متى البشير: "ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلاً من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان. فقالوا. قوم يوحنا المعمدان. وآخرون إيليا. . . فقال لهم وانتم من تقولون إني أنا. فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات. وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها." (متى13:16-18). فقد وعد رب المجد أنه يبني كنيسته على صخرة الإيمان. وكنيسته هنا تفيد أنها كنيسة واحدة ذات مبادئ واحدة وإيمان واحد وعقيدة واحدة ورب واحد. تأسيسها: لقد وعد رب المجد تلاميذه بتأسيس الكنيسة كما وعدهم أيضاً بحلول الروح القدس عليهم كما ذكر كاتب سفر أعمال الرسل معلمنا لوقا الرسول إذ قال: الكلام الأول (أي الإنجيل الذي كتبه) أنشأته يا ثاؤفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلّم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه بعدما أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم. الذين أراهم أيضاً نفسه حيّا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يوماً ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله. وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني. لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستتعمّدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير. أما هم المجتمعون فسألوه قائلين يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل. فقال لهم ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه. لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض." (أع1:1-. وفي هذا الوعد رجع الرسل وأقاموا في علية صهيون مواظبين في الصلاة والطِلبة بنفس واحدة، ويوضح ذلك أيضاً لوقا الرسول في قوله: "ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة. وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس." (أع1:2-4). فيُعتبر هذا اليوم يوم الخمسين أو يوم حلول الروح القدس هو يوم تأسيس الكنيسة الفعلية حيث صار اعتماد الرسل من الروح القدس. وأهم ما كان يميز تلك الكنيسة أنها كانت بنفس واحدة لا شِقاق ولا خِلاف بينهم بل كان الحال أكثر من هذا فلم يكن اتحادهم في الأمور الروحية فحسب بل حتى الأمور المادية فيقول لوقا الرسول: "وجميع الذين آمنوا كانوا معاً وكان عندهم كل شيء مشتركاً. والأملاك والمقتنيات كانوا يبيعونها ويقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج. وكانوا كل يوم يواظبون في الهيكل بنفس واحدة." (أع44:2-4). فما أجمل تلك الحياة التي كانت لآبائنا الرسل في شركة ووحدانية مقدسة. وحدانية الكنيسة في عصورها الأولى: رأينا كيف كان الرسل في حياة مشتركة وفي وحدانية كاملة ومن أجل هذا كانوا في قوة عظيمة. ورغم أن إبليس عدو الخير بمحاولات عديدة أراد أن يقسم الكنيسة لكن روح الوحدانية التي كانت تؤلف بين الرسل لم تدع الفرصة لإبليس أن يتمكن منها. فقد ذكر لوقا الرسول محاولات مثل هذه فقال: "وانحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلمون الاخوة أنه إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا. فلما حصل لبولس وبرنابا منازعة ومباحثة ليست بقليلة معهم رتبوا أن يصعد بولس وبرنابا وأناس آخرون منهم إلى الرسل والقسوس إلى أورشليم من أجل هذه المسألة. ولما حضروا إلى أورشليم قبلتهم الكنيسة والرسل والقسوس فأخبروهم بكل ما صنع الله معهم. ولكن قام أناس من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين وقالوا أنه ينبغي أن يختنوا ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى. فاجتمع الرسل والقسوس لينظروا في هذا الأمر. . . حينئذ رأى الرسل والقسوس مع كل الكنيسة أن يختاروا رجلين منهم فيرسلوهما إلى إنطاكية مع بولس وبرنابا وسيلا رجلين متقدمين في الاخوة. وكتبوا بأيديهم هكذا. الرسل والقسوس والاخوة يهدون سلاماً إلى الاخوة . . .إذ قد سمعنا أن أناساً خارجين من عندنا أزعجوكم بأقوال مقلّبين أنفسكم وقائلين أن تختتنوا وتحفظوا الناموس الذين نحن لم نأمرهم. رأينا وقد صرنا بنفس واحدة أن نختار رجلين . . .وهما يخبرانكم بنفس الأمور شفاهاً. . . لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر." (أع1:15-28). هذه هي محاولة من محاولات إبليس ليفرق بين صفوف الكنيسة ولكنه رجع خائباً إذ اجتمع الرسل بنفس واحدة وبحثوا هذه المشكلة التي نشأت في الكنيسة. وما أجملهم إذ يقولوا رأى الروح القدس ونحن فهذا هو سر قوتهم أنهم جعلوا الروح القدس يهيمن على أفكارهم وينطق على ألسنتهم لهذا عادت الصفوف إلى وحدتها ودحر إبليس وخرج خاسراً. وعلى منوال الرسل نسجت الكنيسة خلال عصورها الأولى صارت موحدة الفكر والرأي رغم ظهور الكثير من الهرطقات ولكن إذ كانت الكنيسة يقودها الروح القدس لم تستطع أي قوة أن تمس كيانها. فعندما كانت تظهر أي بدعة أو هرطقة كانت الكنيسة تسارع بالدعوة إلى اجتماع عام تمثل فيه جميع الكنائس في المسكونة كلها للنظر في شأن هذه الهرطقة وبإرشاد وتوجيه الروح القدس تُصدر الحكم بصددها متفقاً عليها من الجميع. وظلت هكذا الكنيسة على هذه الروح إلى منتصف القرن الخامس الميلادي ولزيادة الإيضاح نورد في الفصل التالي أشهر الهرطقات التي ظهرت في القرون الأولى للمسيحية وكيفية تصرف الكنيسة إزاءها. الفصل الثاني
الهرطقات والمجامع المسكونية لقد ظهرت في الكنيسة خلال عصورها الأولى عِدة هرطقات نتيجة للتفاسير والتأويلات غير الصحيحة لمفهوم آيات الكتاب المقدس. ولكن الكنيسة إزاء هذه الهرطقات كانت تدعو إلى اجتماعات تُعرف باسم المجامع لبحث هذه الهرطقات وإصدار الحكم بصددها. وكانت هذه المجامع على نوعين: مجامع مسكونية: وكانت تشمل ممثلي كل الكنائس. ومجامع مكانية أو محلية: وكانت تُعقد في الإقليم وتجمع أساقفة وقسوس كنيسة هذا الإقليم. ويختلف المؤرخون في عدد المجامع المسكونية فبعضهم يقول أنها سبعة وآخرون يقولون أنها 19 مجمعاً. وكما أن المؤرخين يختلفون في عددها هكذا تختلف الكنائس في الاعتراف بها. أما كنيستنا القبطية فلا تعترف إلا بالأربعة الأولى منها وهي:- مجمع نيقية سنة 325م مجمع القسطنطينية سنة 381م مجمع أفسس الأول سنة 431م مجمع أفسس الثاني سنة 449م وإليك هذه المجامع بشيء من التفصيل الموجز.
المجمع المسكوني الأول
{مجمع نيقية سنة 325م}
سبب انعقاده: ظهور بدعة أو هرطقة آريوس. وآريوس هذا كان كاهناً ليبياً بكنيسة الإسكندرية. ملخص الهرطقة: نادى آريوس بتعاليم مخالفة للعقيدة المسيحية. فالمسيحية تؤمن بأن الله واحد في جوهره مثلث الأقانيم (الآب والابن والروح القدس إله واحد) فالابن من ذات جوهر الله أي أنه مولود منه ولادة جوهرية كولادة النور من النار، وقد ظهر الله في جسد المسيح (1تي16:3). أما آريوس فقد نادى بتعاليم منافية للعقيدة منكراً لاهوت المسيح وأنه لم يكن إلهاً بل هو مجرد إنسان مخلوق. فكان نتيجة هذا التعليم أن حدث انشقاق وبلبلة هددت وحدة المسيحية. الداعي لانعقاد المجمع: وقد دعا الإمبراطور قسطنطين الكبير وهو أول من آمن مِن أباطرة الرومان بالمسيحية وجعلها الدين الرسمي للدولة فعندما ظهر هذا الانشقاق أراد الإمبراطور أن يحافظ على وحدة الكنيسة فدعا جميع كنائس المسكونة للاجتماع. رئيس المجمع: البابا السكندري الأنبا الكسندروس. مكان وتاريخ انعقاده: تلبية لدعوة الإمبراطور انعقد المجمع في مدينة نيقية بآسيا الصغرى سنة 325م. عدد الحاضرين: قد حضر هذا المجمع 318 أسقفاً ممثلين لجميع الكنائس هذا عدا الكهنة والشمامسة وكان من بين الحاضرين شخصية سطع نجمها وهو الشماس أثناسيوس الذي أصبح فيما بعد بطريركاً للإسكندرية وسُمي [الرسولي حامي الإيمان] وذلك لدفاعه وموقفه إزاء بدعة آريوس. وكان حاضراً هذا المجمع أيضاً بطريرك الإسكندرية البابا الكسندروس الذي اصطحب شمامسة أثناسيوس للمجمع. قرارات المجمع: ( أ ) حرم آريوس المهرطق ونبذ تعاليمه. (ب) وضع قانون الإيمان لدحض بدعة آريوس وهو القانون الذي نردده في كنائسنا إلى يومنا هذا والذي بدؤه: "بالحقيقة نؤمن بإله واحد . . . نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. نور من نور إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. مساوٍ للآب في الجوهر . . . (إلى) وليس لملكه انقضاء" المجمع المسكوني الثاني
{مجمع القسطنطينية سنة 381م}
سبب انعقاده: ظهور عدة بدع أهمها: بدعة مكدونيوس. وكان هذا أسقف القسطنطينية. ملخص الهرطقة: نادى مكدونيوس هذا بأن "الروح القدس مخلوق كمثل الملائكة" وهذا منافي للعقيدة المسيحية التي تؤمن أن الروح القدس الأقنوم الثالث إله حق منبثق من الآب. الداعي لانعقاد المجمع: كان الداعي لذلك المجمع هو الإمبراطور تاؤدسيوس الكبير. رئيس المجمع: البابا السكندري الأنبا تيموثاوس. مكان وتاريخ الانعقاد: قد عُقد هذا المجمع بمدينة القسطنطينية سنة 381م. عدد الحاضرين: وحضر هذا المجمع 150 أسقفاً من جميع الكنائس عدا الكهنة والشمامسة. قرارات المجمع: ( أ ) حرم مكدونيوس وتحريم تعاليمه. (ب) إضافة الجزء الخير من قانون الإيمان الذي بدؤه: "نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب . . . الخ" المجمع المسكوني الثالث
{مجمع أفسس الأول سنة 431م}
سبب انعقاده: ظهور هرطقة نسطور أسقف القسطنطينية أيضاً. ملخص الهرطقة: أنكر نسطور ألوهية يسوع المسيح وبدأ بإنكار كون السيدة العذراء والدة الإله قائلاً: (إن مريم لم تلد إلهاً بل ما يولد من الجسد ليس إلا جسداً وما يولد من الروح فهو روح. فالعذراء ولدت إنساناً عبارة عن آلة للاهوت. وذهب إلى أن ربنا يسوع المسيح لم يكن إلهاً في حد ذاته بل هو إنسان مملوء بالبركة أو هو مُلهم من الله لم يرتكب خطية) وهذا مضاد لما تعتقد به المسيحية التي تؤمن بأن المسيح أقنوم واحد ذو طبيعة واحدة بعد الاتحاد بدون اختلاط ولا امتزاج ولا استحالة كما نقول في الاعتراف الأخير في القداس: "الجسد الذي أخذه من سيدتنا ملكتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم. جعله واحداً مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير" الداعي لانعقاد المجمع: الإمبراطور تاؤدسيوس الصغير. رئيس المجمع: البابا السكندري الأنبا كيرلس الكبير. مكان وتاريخ الانعقاد: انعقد هذا المجمع في مدينة أفسس سنة 431م. عدد الحاضرين: بلغ عدد الحاضرين من الأساقفة 200 أسقف عدا الكهنة والشمامسة، وكان من بين الحاضرين الأنبا شنوده رئيس المتوحدين. قرارات المجمع: ( أ ) حرم نسطور وتحريم تعاليمه. (ب) وضع مقدمة قانون الإيمان الذي بدؤه: "نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله . . . الخ" المجمع المسكوني الرابع
{مجمع أفسس الثاني سنة 449م}
سبب انعقاده: التماس أوطاخي المبتدع مستأنفاً للحكم الصادر بقطعه من مجمع مكاني عقده فلابيانوس أسقف القسطنطينية. ملخص الهرطقة: أوطاخي المبتدع كان رئيس دير في القسطنطينية ولعداوته الشديدة لتعاليم نسطور بدأ يرد عليه ولكنه تطرف في تعبيره عن سر الجسد حتى قال أن جسد المسيح مع كونه جسد إلا أنه ليس مساوياً لجسدنا في الجوهر لأن الطبيعة الإلهية لاشت الطبيعة البشرية وهذا معناه أن اللاهوت اختلط وامتزج بالناسوت. وهذا ما يضاد الإيمان القويم وهو أن اللاهوت اتحد بالناسوت ولكن بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولكن أوطاخي عاد واعترف بالإيمان الأرثوذكسي وبقرارات المجامع السابقة. الداعي لانعقاد المجمع: تاؤدسيوس الصغير الإمبراطور. رئيس المجمع: البابا السكندري الأنبا ديسقوروس. مكان وتاريخ الانعقاد: انعقد هذا المجمع في مدينة أفسس أيضاً وذلك سنة 449م. عدد الحاضرين: حضر هذا المجمع 150 أسقفاً. وقد حضره مندوبين عن بابا روما. قرارات المجمع: ( أ ) قرر المجمع براءة أوطاخي بعد أن رجع عن آرائه واعترف بقرارات المجامع السابقة. (ب) حُرم فلابيانوس أسقف القسطنطينية لأنه كان يؤمن أن المسيح بعد تجسده كان له طبيعتين ومشيئتين. ملحوظـة: لا تعترف بهذا المجمع كلا من الكنيسة اليونانية وكنيسة روما. الفصل الثالث
انشقاق الكنائس
بدء الانشقاق: رأينا في عرضنا السابق كيف كانت الكنيسة تحافظ جاهدة على دوام وحدتها فما أن تقوم بدعة لتبلبل الأفكار وتصدع بناء الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية كنيسة الله، حتى يهب أساقفة الكنائس وينادوا بضرورة عقد اجتماع عام للنظر في البدعة ومبتدعها ويصدروا أحكامهم فيها ليعيدوا تثبيت الحقائق الإيمانية الأولى. ولكن ما من شك أن هذه البدع كانت أول معول هدم وحدة الكنيسة وأول سهم صوب إلى قلب الأم فمزقه فمن جراء هذه البدع وإزاء إصدار الأحكام فيها حدثت خلافات يطول شرحها وقد بدأ هذا الاختلاف بمجمع خلقيدونية الذي يعتبر أول خطوة في طريق الانشقاق. مجمع خلقيدونية سنة 451م
سبب انعقاده: لم يقبل بابا روما قرارات المجمع المسكوني الرابع (مجمع أفسس الثاني سنة 449م) الذي عُقد من أجل النظر في التماس أوطاخي الذي كان قد نادى كما مر بنا أن السيد المسيح بعد تجسده أصبح له طبيعة واحدة (وهذا يوافق العقيدة) ولكنه انحرف فقال أن الناسوت قد تلاشى في اللاهوت بمعنى أنه صار اختلاط وامتزاج وتغيير في الاتحاد (وهذا يخالف العقيدة) ومن أجل ذلك أوضح البابا ديسقوروس رئيس مجمع أفسس الثاني الإيمان القويم فقرر المجمع أن السيد المسيح بعد تجسده صار اتحاد اللاهوت والناسوت في طبيعة واحدة بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ورجع أوطاخي عن فكرته وآمن بمنطوق المجمع. ولكن بابا روما رفض هذا المنطوق واتبع أسقف القسطنطينية (فلابيانوس الذي كان قد حرم أوطاخي) معتنقاً عقيدة أخرى وهي أن السيد المسيح بعد تجسده كان له طبيعتين ومشيئتين (وهذا يخالف الإيمان القويم). الداعي لانعقاد المجمع: وقد دعا الإمبراطور مرقيانوس والإمبراطورة بولخيريا لانعقاد هذا المجمع بناء على طلب أسقف روما. مكان وتاريخ انعقاده: عُقد هذا المجمع في مدينة خلقيدونية سنة 451م. عدد الحاضرين: 330 أسقفاً (في رواية) و600 أسقف في رواية أخرى وكان حاضراً البابا ديسقوروس بابا الإسكندرية الذي دافع عن الإيمان دفاعاً مستميتاً ولكن إزاء حيل الآخرين ذهبت صيحاته أدراج الرياح. قرارات المجمع: وقد قرر المجمع الآتي: ( أ ) إلغاء قرارات مجمع أفسس الثاني. (ب) تبرئة فلابيانوس أسقف القسطنطينية. (ج) حرم أوطاخي رغم اعترافه بقرارات المجمع النيقي. (د ) عزل ديسقوروس البابا ونفيه مدعين أنه متشيعاً لبدعة أوطاخي. ملحوظـة: لا تعترف كنيستنا القبطية بهذا المجمع ولا بقراراته. تقول مدام بتشر الإنجليزية في كتابها: "تاريخ الأمة القبطية" المجلد الثاني حاشية ص58 (إن بابا روما نفسه لم يكن راضياً عن مجمع خلقيدونية ولم ترق في عينيه القرارات التي أصدرها مع أنه تمكن بواسطته من سحق خصمه ديسقوروس ولكنه لم يتحصل على غايته القصوى التي كان يسعى إليها وهي التصديق من الإمبراطور أو المجمع بأولوية الكرسي الروماني وإعطائه الرئاسة على باقي الكراسي...). ومن هذا يتضح – بكل أسف – أن السبب الخفي في الانشقاق كانت غايات شخصية وحب الذات والرئاسات!! الانشقاق الأول كانت نتيجة لقرارات مجمع خلقيدونية أن انقسمت الكنيسة إلى شطرين وهما: الشطر الأول: يضم كنيسة رومية وكنيسة القسطنطينية اللتين اعتنقتا المعتقد القائل بأن للمسيح طبيعتين ومشيئتين. الشطر الثاني: ويضم كنيسة الإسكندرية ومن اتبع خطواتها كالسريان والأرمن وغيرهم الذين ظلوا متمسكين بقرارات المجامع الأولى ومعتقدات أثناسيوس وكيرلس في طبيعة المسيح وهي الطبيعة الواحدة (أي اتحاد اللاهوت والناسوت بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير). نتائج هذا الانشقاق: كان نتيجة لهذا الانشقاق أن اضطهد قياصرة القسطنطينية الكنيسة المصرية وذلك لأن أولئك الأباطرة كان من مصلحتهم أن لا يكون هناك انشقاق في إمبراطوريتهم ولذلك حاولوا بشتى الطرق أن يثنوا الكنيسة المصرية عن إيمانها ولكن باءت محاولاتها بالفشل وأخيراً أرسل أولئك الأباطرة بطاركة من قِبلهم إلى الإسكندرية ليحلوا محل البطاركة الأقباط وعرف أولئك البطاركة المعينين من قِبل الملك بالبطاركة "الملكيين" وطبيعي كانوا من أنصار معتقد مجمع خلقيدونية. وقد أطلق خطأ بعض المؤرخين على الأرثوذكس المصريين لقب (يعاقبه) قائلين أن ذلك نسبة إلى (يعقوب) تلميذ ديسقوروس الذي أرسله إلى مصر عقب نفيه بحكم مجمع خلقيدونية لكي يثبت الأقباط على معتقد الطبيعة الواحدة. وعلل البعض الآخر سبب هذه التسمية نسبة إلى "يعقوب البرادعي" الذي رُسم أسقفاً سنة 541م على إقليم أديسا اسمياً فقط لأنه كان كمرسل يجول في أنحاء الولايات الرومانية لكي يضم سكانها إلى حظيرة الكنيسة المصرية. وسواء صح هذا التعليل أو ذاك فإنه من الخطأ أن يطلق على الأقباط المصريين هذه التسمية. وبهذا أصبح في مصر بطريركان أحدهما يختاره الأرثوذكس الأقباط والآخر يرسله القيصر ليكون بطريركاً للملكيين. وكان الأقباط يرسمون بطريركهم سراً وكان لا يُسمح لهم بدخول الإسكندرية. وظل الحال على هذا الوضع حتى دخول العرب مصر. وتخلص الأقباط من سلطة الرومان وبطاركة الروم (الملكيين). الفصل الرابع
انشقاق الكنيسة الكاثوليكية
رأينا فيما سبق كيف تدخلت الأغراض والمطامع الشخصية في التفرقة بين صفوف الكنيسة الواحدة. رأينا مجهودات بابا روما ضد البابا ديسقوروس لا لشيء سوى الغيرة والأنانية (فقد أوكل الإمبراطور إلى ديسقوروس رئاسة مجمع أفسس الثاني فعز على بابا روما الذي كان يطمع في هذا) فعمل على سحق ديسقوروس وتم له ذلك في مجمع خلقيدونية حيث استباح له ضميره أن يقسم الكنيسة إلى شطرين ولكن نار الغيرة لم تقف عند هذا الحد فنظر بابا روما إلى بطريرك القسطنطينية (عاصمة الدولة الرومانية في ذلك الحين) وما وصل إليه من مركز مرموق أقره مجمع خلقيدونية 451م فمنح بطريرك القسطنطينية حق الزعامة والتقدم، فاحتج أسقف روما ووقف الخصمان وجهاً لوجه في نضال وشجار حول لقب "الأعظم" ونسوا أو تناسوا ما قاله رب المجد لتلاميذه عندما أصابتهم هذه النوبة الكبريائية: "أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً. ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً." (متى25:20-27). ثم من جهة أخرى قام شجار آخر عنيف بين الكنيستين حول إضافة كلمة إلى قانون الإيمان (وهي كلمة "الابن" التي أضافتها كنيسة روما إلى قانون الإيمان عن الروح القدس عند القول "نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب" وهنا تضيف كنيسة رومية كلمة "والابن" فيقولون المنبثق من الآب والابن!!) وهذا يخالف الإنجيل وقرارات المجامع الأولى وكان نتيجة لهذا أن اعترضت كنيسة القسطنطينية على ذلك واعترضت أيضاً على بعض العادات الكنسية التي وضعتها كنيسة رومية كضرورة بقاء الكهنة غير متزوجين ... الخ وظل النزاع قائماً بين الكنيستين حتى سنة 1053م حيث أصدر بابا روما حكم الحرم على أسقف القسطنطينية فلم يكن من هذا الأخير إلا أن أذاع على العالم أن كنيسة روما قد هرطقت. وكان نتيجة هذا الصراع والشجار انقسام آخر في الكنيسة فانفصلت كنيسة رومية وسُميت الكنيسة الكاثوليكية أو اللاتينية أو الغربية، أقول انفصلت هذه الكنيسة عن كنيسة القسطنطينية التي سُميت كنيسة الروم أو الكنيسة اليونانية أو الشرقية. وسمت نفسها الكنيسة الأرثوذكسية الخلقيدونية (تمييزاً لها عن الكنائس الأرثوذكسية التي لا تعترف بمجمع خلقيدونية). الفصل الخامس
انشقاق الكنيسة البروتستانتية
أوضحنا في الفصل السابق كيف انشقت الكنيسة الكاثوليكية وهنا نرى كيف تطورت الأمور فيها حتى انشقت منها البروتستانتية. فساد البابوية: من يقرأ التاريخ يجد أن كنيسة روما وجهت كل مجهوداتها نحو السياسة والسيطرة على الأباطرة وإخضاعهم تحت سلطانها فأدى هذا إلى نزاع شديد بين السلطتين الدينية والسلطة الحاكمة كان نتيجته ضعف البابوية وانحلالها. وساعد على هذا الضعف اعتلاء كرسي البابوية أشخاص ممن لا أخلاق لهم فساءت أحوال كنيسة رومية ودب فيها الفساد. وتطرق هذا الفساد إلى جميع الميادين الدينية في أوروبا وفسدت أيضاً الرهبنة وساءت الأحوال الدينية في الكنيسة إكليروساً وشعباً. محاولات الإصلاح: وقد قامت عدة محاولات تدعو إلى إصلاح حالة الكنيسة الكاثوليكية ولكن بكل أسف نرى أن بعض هذه المحاولات قد حادت هي الأخرى عن جادة الصواب. ويمكننا أن نلخص هنا المحاولات التي قامت في ثلاثة فئات: بعض المصلحين رأوا أن خير وسيلة للإصلاح هي البدء بحياتهم الشخصية حتى يصبحوا مثالاً صالحاً فيرى الناس أعمالهم الصالحة فيمجدوا الله في السماء فعاهدوا أنفسهم أن يحيوا حياة التضحية والتأثير في الآخرين بمثلهم الصالح ومن هذه الفئة توما الكمبيسى الذي وضع كتاب (الاقتداء بالمسيح). وهناك فريق آخر أراد الإصلاح بأن شهَّر بمساوئ العصر ولكنه ظل خاضعاً لسلطة البابا ولنظم الكنيسة. أما الفريق الثالث فقد انحرف في تعاليمه فأنكر سلطة الباباوية. وأنكر العقائد والتقاليد واعتبر الكتاب المقدس هو المرجع الوحيد لكل العقائد والتعاليم الكنسية ومنهم (جون ويكلف) في إنجلترا و(جون هوس) في بوهيميا. وقد ظهر هذان الاثنان في القرن الرابع عشر. وقد نسج على منوالهما (مارتن لوثر) في القرن السادس عشر. وهو الذي انشق عن الكنيسة الكاثوليكية وكون الكنيسة البروتستانتية. الأسباب الخفية لانشقاق الكنيسة البروتستانتية: هذه الأسباب تتعلق بالرهبنة عامة وبالراهب مارتن لوثر خاصة فعندما ساءت أحوال الكنيسة الكاثوليكية أصبح الرهبان طبقة ممقوتة فتحولت مثلهم من ترك العالم بما فيه من أجل عشرة الرب الصافية إلى أن أصبح كل من يئس من الحياة أو أراد الهروب من المسئولية لجأ إلى الأديرة على أنه لم تحرم الأديرة من وجود من هو متمسك بالبر والصلاح. وفي وسط هذا الجو وجد الراهب لوثر وكان قد أحس بثقل الناموس الإلهي على ضميره وضاق ذراعه بالجهاد الروحي فكان ذلك مدعاة أن يقنع نفسه بأن الإنسان لا يتبرر بالجهاد الروحي ولا بترك العالم بل بالإيمان فقط وقد نسي أو تناسى ما قاله بطرس الرسول: "إن كان البار بالجهد يخلُص فالفاجر والخاطئ أين يظهران" (1بط18:4). الأسباب المباشرة لانشقاق الكنيسة البروتستانتية: السبب المباشر الذي دعا مارتن لوثر على ترك الرهبنة وشق عصا الطاعة والخروج عن الكنيسة الكاثوليكية ليؤسس الكنيسة البروتستانتية هذا السبب هو صكوك الغفران. صكوك الغفران: آمن الكاثوليك أن الإنسان لابد أن ينال جزاء ما فعله من شر في حياته. فإما أن يكون هذا الجزاء في الدنيا أو بعد الموت حيث يُطهر الإنسان من شره بعد الموت بعقابه فترة من الزمان وتُعرف عندهم (بالمطهر) ثم بعدها يذهب الإنسان للحياة الأبدية. وقد أصدر البابا ليو العاشر غفراناً شاملاً للعالم أجمع 1517م به يقصر مدة (المطهر) ويتمتع بهذا الامتياز كل من يشتري صك الغفران وكان الغرض من هذا العمل هو الحصول على المال اللازم لبناء كنيسة القديس بطرس في روما. فتأمل كيف آلت الأحوال في الكنيسة الكاثوليكية!! في هذه الأثناء كان لوثر راهباً كاثوليكياً وأستاذاً لعلوم الدين في جامعة ويتنبرج بألمانيا وراعياً لكنيستها. فرأى أن الذين كانوا يعترفون عليه تائبين قد تركوه مقدمين صكوك غفرانهم بديلاً. فشعر أنه أُهين في صميم عمله وأقدس واجباته فلم يرق هذا العمل في نظره وأعلن معارضته للبابا وخروجه عن الكنيسة الكاثوليكية. شطط مارتن لوثر: هذه المعركة التي خاضها مارتن لوثر ضد البابا قادته إلى الشطط الذي آل إليه أمره فيما بعد. فأعلن أن البابوية ليست ذات مصدر إلهي. وعندما استدعاه البابا إلى روما رفض ذلك. ثم زاد في عناده وانحرف في تعليمه فكان من جراء هذا كله أن حرمه البابا سنة 1526م وأمر بإحراق كل كتاباته فما كان من لوثر إلا أن أحرق (كتاب قانون الكنيسة الكاثوليكية) وأنفعل أتباعه وأحرقوا الرسالة البابوية. انتشار المذهب الجديد: وقد عضد الناس لوثر وانضموا إلى صفوفه مدفوعين بعوامل مختلفة منها: عضده البعض بسبب كراهيتهم وتذمرهم من الضرائب التي فرضها عليهم البابا. وعضده الفلاحون لأنهم توقعوا أن هذه الحرية المسيحية التي نادى بها لوثر قد تكون وسيلة لإعتاقهم من أغلال العبودية. والفريق الثالث كان متحمساً لهدم كل الأشياء في النظم القديمة وخلق عالم جديد يتمشى مع عصر النهضةالحديثة. وكان نتيجة لهذا أن تأزمت الأحوال وقامت ثورة داخلية في ألمانيا اضطر أن يتدخل فيها لوثر ليهدئ الأمور وعندما فشل في ذلك حرض الأمراء على قتل الثوار في غير هوادة ولا رحمة!! وسائل نشر هذا المذهب: اتخذ مارتن لوثر ثلاثة وسائل لجذب الناس إلى معتقده: نشر كتاب حرض فيه الأمراء على اختلاس أوقاف الأديرة وتحويل الأديرة إلى مدارس ومستشفيات عقلية وبهذا جذب الأمراء إلى جانبه. أراد حاكم "هيش" أن يتزوج بإحدى النساء التي هام بها رغم أن زوجته حية فصرح له لوثر أن يكون له امرأتان معاً وبهذا كسب وده فصرح له بإقامة شعائره الجديدة. ولكي يستميل الكهنة والرهبان (الذين ضاقوا ذرعاً بالرهبنة) جعل نفسه نموذجاً لهم فأفسد بكورية راهبة تدعى "كاثرين" ثم تزوجها وهو الراهب!! فأهان الإسكيم الملائكي وتزوج بعد أن كاهناً فأساء إلى أبوة الكهنوت ثم عاش مع زوجته في البناء الذي كان قبلاً ديراً له!!! حتى مرض بالفالج وتوفى سنة 1546م. الفصل السادس
انشقاق المذهب البروتستانتية الأخرى
كان نتيجة لروح الانشقاق هذه التي سادت الكنائس أن تفشت الفوضى وأصبح كل فرد لا يعجبه نظام الكنيسة التابع لها ينشق مكوناً كنيسة جديدة باسمه وهكذا قد جنحت الكنائس البروتستانتية إلى التعدد شيعاً وطوائف تحصى بالمئات وسنقتصر هنا على سرد تاريخ انشقاق بعضها: الكنيسة الكالفينية: نسبة إلى مؤسسها "جون كالفن" (1509-1564م) الذي كان كاثوليكياً ثم اتصل بالبروتستانت وأصبح زعيم البروتستانتية في باريس ثم أصبح راعياً للكنيسة البروتستانتية في جنيف بعد أن أدخل عدة تعديلات عليها. الكنيسة الأنكليكانية: وتسمى أيضاً الأسقفية، وقد كانت تابعة للكنيسة الكاثوليكية ثم انفصلت عنها سنة 1534م وقد مهد لهذا الانفصال شخص يدعى "جون ويكلف" أما السبب المباشر فهو توبيخ البابا للملك هنري الثامن ملك إنجلترا فأعلن الانفصال رسمياً. هذه الكنيسة رفضت سلطة البابا على كنيستهم على أن تحتفظ بطابعها الكاثوليكي والطقوس والتقاليد القديمة بعد تنقيتها وهذه الكنيسة نشأت أولاً في إنجلترا ثم حملوها معهم إلى المستعمرات التي أنشأوها في أمريكا وكندا وأستراليا. الطهوريون: وهم جماعة من متطرفي البروتستانت راعوا الصرامة والتزمت في حياة الطهر وهو متصوفون مدققون في الدين. الانفصاليون أو الاستقلاليون: وهم جماعة رأت أن تتألف الكنائس من جماعات مسيحية تختار رعاتها وتكون حرة في أداء شعائر العبادة بدون تدخل من الدولة أو أي سلطة كنسية مركزية. المعمدانيون: وهم طائفة من الاستقلاليين رأوا أن يُعمد الناس كباراً بعد أن يبلغوا سن الوعي وقد أسسها "يوحنا بنيان". الأرمينوسيون: وقد أسسها شخص يدعى "يعقوب أرمينيوس" راعي كنيسة هولندا سنة 1600م. الأسفانكفيلديون: وقد أسسها شخص يدعى "غاباروس أسفانكفيلديوس" سنة 1651م بأمريكا. الراسكولنك أو (المنشقين): وقد أسسها بعض الروسيين المتعصبين سنة 1666م. الكويكرس (المرتعدين): التي أسسها "جوارجيوس فكس" سنة 1690م. المثوديست أو (الطريق والنظام): وقد أسسها شخص يدعى "جون وسلي" سنة 1726م. المانونيت أي (معيدي المعمودية): وقد أسسها "مينون" الكاهن اللاتيني. الادفنتست أو (السبتيين): التي أسسها "ويليام ميلر" سنة 1831م بأمريكا. ظالدربيون أو (اخوة بلايموس): وقد أسسها الواعظ الأنكليكاني "دربي" سنة 1840م في مدينة اخوة بلايموس الإنجليزية. وهناك طوائف أخرى عديدة يعسر علينا سردها واحدة فواحدة منها الإصلاح، وكنيسة الله، وخلاص النفوس، وشهود يهوه . . . . . الخ !!! الفصل السابع
الكنيسة الشرقية
رأينا فيما سبق كيف تطورت الطوائف في الغرب بانشقاق الكنيسة الكاثوليكية عن الكنائس الشرقية ثم الانشقاق البروتستانتي وما تبعه من انشقاقات أخرى. ولعله من الشائق أن نلقي لمحة خاطفة على تاريخ بعض كنائس الشرق. الكنيسة القبطية الأرثوذكسية: قبطي معناها (مصري) وأرثوذكسي معناها (مستقيم الرأي) فنحن الأقباط سلالة الفراعنة وقد بشرنا الرسول مرقس الإنجيلي وظلت كنيستنا متمسكة بنفس التقاليد والعقائد والطقوس التي تسلمتها على ممر الأجيال وكان لكنيستنا موقفها المشهور ضد الهراطقة والبدع التي ظهرت في العصور الأولى. فقادت المجامع المسكونية، وبفضل بطاركتها العلماء أمثال أثناسيوس وكيرلس وديسقوروس عقد للأرثوذكسية النصر وظلت العقائد الأولى ثابتة رغم الهزات العنيفة التي سببتها هذه الهرطقات وبدأ انشقاق الكنائس الأخرى عن معتقدات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مجمع خلقيدونية السابق ذكره. الكنيسة الحبشية: في الحبشة (أثيوبيا) وقد بشر فيلبس، وزير كنداكه الخصي الحبشي وعمده حوالي سنة 37م (أع26:8-40). ويقال أن أول من بشر في بلاد الحبشة هو متى الرسول على أن انتشار المسيحية في الحبشة يرجع الفضل فيه إلى "فرومنتوس" أول أسقف على الحبشة في القرن الرابع وقد قام برسامته البابا الإسكندري أثناسيوس الرسولي. وقد جرت العادة على أن يرسل إلى الحبشة أساقفة مصريين حتى عهد قريب، ثم رسم مطارنة وأساقفة من الأحباش وفي عهد المتنيح البابا كيرلس السادس رسم للأحباش بطريرك جاثليق طبقاً للاتفاقية المبرمة بين الكنيستين ثم استقلت بعد ذلك. الكنيسة السريانية: وهم القاطنين بين النهرين وشمال العراق وسوريا. وقد آمنوا في القرن الأول الميلادي وكانوا خاضعين لأساقفة أنطاكية ومنذ مجمع خلقيدونية (451م) انفصلوا عنها تابعين عقيدة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الطبيعة الواحدة وقد عرف السريان كطائفة مستقلة منذ القرن السابع الميلادي. وفي القرن الثاني عشر انقسمت طائفة السريان إلى ثلاث شيع فضعف شأن الطائفة حتى أن بعضهم انضم إلى كنيسة روما. ولذلك تجد بينهم اليوم كنيسة (للسريان الكاثوليك!). الكنيسة الأرمنية: هم سكان أرمينيا بالأناضول، وقد بشرهم تداوس وبرثلماوس وقد اعتنق ملكهم المسيحية في القرن الرابع وكانت تابعة لكرسي القسطنطينية (الكنيسة اليونانية) وفي القرن السابع انفصلت عنها. الكنيسة المارونية: في لبنان وقد كانوا فئة من فئات السريان الثلاثة السابق ذكرهم وقد كانوا تابعين للكرسي الأنطاكي في القرن الأول ثم انفصلوا عنها أيضاً بسبب مشكلة الطبيعة والطبيعتين. ولكن أخيراً انضموا إلى الكاثوليك فأصبحوا طائفة كاثوليكية.
الفصل الثامن
تاريخ دخول الكاثوليك والبروتستانت
إلى مصر
الإرسـاليات: لعله من أهم واجبات الكنيسة التبشير ولذلك إذا قرأنا كتب التاريخ نجد أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قامت بعدة إرساليات لتبشير الوثنيين في أوروبا وبريطانيا وأسسوا هناك كنائس وأخذت عنهم أنظمة الرهبنة. وبينما كان غرض الأقباط من بعثاتهم الدينية تبشير الوثنيين لم يكن للمرسلين الأجانب الذين أتوا إلى مصر من غرض سوى تحويل الأقباط الأرثوذكس إلى مذهبهم. الكاثوليك في مصر: منذ القرن السابع عشر الميلادي بابا روما يحاول إرسال رهبان كاثوليك إلى مصر لنشر هذا المذهب. وعندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر زاد عدد المتمذهبين بالكاثوليكية زيادة طفيفة. وفي عهد محمد علي باشا كان للفرنسيين نفوذ عظيم في مصر وعن طريقه أرغم المعلم غالي (وكان صاحب المقام الأعلى) على الكثلكة بشرط أن لا يُكره على تغيير طقوس الكنيسة القبطية وعوائدها الشرقية على أن يكون مثلاً يقتدي به بقية الأقباط بشرط ألا يكرهوا على تغيير طقوسهم وعقائدهم الشرقية. ومن ذلك الحين وجدت طائفة الأقباط الكاثوليك التابعين لبابا روما وأقيم أول بطريرك لهم سنة 1899م. البروتستانتية في مصر: بدأ دخول البروتستانت مصر في منتصف القرن التاسع عشر عندما جاء أحد البروتستانت ويُدعى "لانش" الأمريكي وأقام في الإسكندرية ثم لحقه مرسل من اسكتلندا يُدعى "يوحنا هوج" وبعد فترة من الزمان جاء إلى القاهرة سنة 1862م. ثم استقر يوحنا هوج في أسيوط منذ سنة 1865م. وبدأ عمله التبشيري. الخاتمة هذا موجز سريع عن تطور انشقاق الكنائس حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن إذ تُحصى بالمئات وكل منها يختلف في معتقداته عن الآخر. وأننا نأمل بمشيئة الرب في كتب مقبلة أن نوضح أهم الاختلافات العقيدية بين هذه الكنائس وبين كنيستنا القبطية الأرثوذكسية. وطلبة حارة من القلب نرفعها مع القديس إغريغوريوس الناطق بالألوهيات: (نعم أيها المسيح إلهنا ثبت أساس الكنيسة. وحدانية القلب . . . فلتتأ